وجود عسكري خليجي حتى إشعار آخر
الإمارات والسعودية في خصومة متصاعدة مع الحركة الإخوانية الدولية في أكثر من رقعة في المنطقة العربية
يمنات
صلاح السقلدي
الدعوة التي أطلقها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قبل أيام، عبر موقع «ديفينس وان»، إلى ضرورة وجود عسكري خليجي طويل الأمد في اليمن بعد انتهاء الحرب، هي رغبة ليست جديدة ولا مستغربة أبداً، على الأقل لدى من يتابعون الأوضاع باليمن عن كثب ودراية.
هذه الرغبة الإمارتية ومعها السعودية بالطبع، ليست وليدة اليوم، بل هي موجود منذ أول يوم للحرب، بعيداً عن الأسباب المعلنة من هذه الحرب. فكل هذه التضحيات وهذا الإصرار الإماراتي على خوض غمار معارك صعبة ومكلّفة، دليل قاطع على ذلك، وما حكاية الانسحاب الإماراتي من جزيرة سقطرى إلا عملية غربلة وتنقلات لبيادق على رقعة شطرنج كبيرة اسمها اليمن شماله وجنوبه.
صحيح أن الذخيرة البشرية التي تنفذ بها الإمارات بحربها، وبالذات بالجبهة الغربية الساحلية، هي بشرية جنوبية، لكن بالمقابل ثمة كُـلفة باهظة مالياً ومادياً وأخلاقياً تخسرها الإمارات كضريبة للظفر بأهدافها بعيدة المدى، وبالتالي يكون من السذاجة التصديق أن كل هذا يتم كما تقول الإمارات والسعودية من أجل إعادة الرئيس عبدربه منصور إلى صنعاء، وهو الممنوع خليجياً من العودة إلى عدن، أو لإعادة السلطة المنتخبة بانتخابات شعبية، وهما لا يؤمنان أساساً بشيء اسمه انتخابات، ولا بشيء اسمه ديمقراطية وحرية اختيار.
ويوضح قرقاش كلامه أكثر، فيقول للموقع الإخباري الأمريكي المعنِي بالشؤون الأمنية، إن «هزيمة الحوثيين لن تؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحاجة للقوات التحالف، فأي دولة يمنية ستظهر ستكون في البداية دولة ضعيفة وستتعرض للمضايقة إذا لم نقم بمعالجة موضوع الإرهاب. أعتقد أن هذه فرصة ذهبية بالنسبة لنا لتدمير القاعدة. لقد حققنا نجاحاً هائلاً في مختلف المجالات ضد القاعدة».
ثم يردف بصورة متناقضة لكلامه السابق الذي افترض فيه هزيمة «الحوثيين» مستقبلاً، قائلاً إن «الضغط العسكري مصمم لتغيير الحسابات وتحقيق حل سياسي. نحن لا نبحث عن نصر عسكري كامل».
وهذا يدل دلالة قاطعة على أن هذا الوجود باقٍ إلى فترة أبعد مما نتصورها. وكل ما يتم هو ترسيخ لهذا الوجود على الأرض بطريقة ناعمة وبخطوات مدروسة. فعلى سبيل المثال، إرسال قوات إماراتية وسعودية إلى جزيرة سقطرى بعمق المحيط الهندي، بذريعة إعادة إعمار جزيرة لم تشهد إطلاق رصاصة. وبعد أن أحكمت الرياض وأبوظبي قبضتهما ونفوذهما العسكري والسياسي على محافظة المهرة في أقصى الشرق، تحت غطاء يصعب تصديقه وهو «منع تهريب صواريخ بالستية استراتيجية من سلطنة عمان للحوثيين»، ها هما يتحدثان اليوم عن أن تلك الصواريخ المفترضة يتم تهريبها عبر ميناء الحديدة، وهي الوجهة العسكرية القادمة للإمارات، وتحت ذات الغطاء «محاربة تهريب الصواريخ» من ميناء مضروب حوله حصار محكم.
ذات المبرر الذي تم للسيطرة على المهرة يتم اليوم في الحديدة. كما أنه في الوقت الذي يتم اليوم بسط هذا الوجود تحت غطاء محاربة «الحوثيين»، سيتم مستقبلاً تكريسه تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بحسب تصريحات خليجية وإماراتية متكررة وآخرها تصريحات قرقاش آنفة الذكر.
فبعد أن يتم هزيمة «الحوثيين» عسكرياً بشكل كلي، وهذا مستبعد حتى بحسب كلام قرقاش نفسه، أو بعد إبرام تسوية سياسية معهم ومع كل القوى باليمن، سيكون «التحالف» بحاجة إلى مبرر منطقي لوجوده العسكري على المدى البعيد أو حتى على المديين القصير والمتوسط، بعد أن يكون مبرر محاربة «الحوثيين» قد سقط وانتهت صلاحياته، خصوصاً وأن «التحالف» قد استشعر مؤخراً المزاج الشعبي اليمني، في الشمال تحديداً، المناهض لأي وجود خليجي، وإمارتي على وجه الخصوص. يقود هذا المزاج حزب «الإصلاح» بتأييد قطري صريح في إطار الخلاف الخليجي الخليجي المستعر منذ أكثر من عام.
ومن وحي هذا المشهد المضطرب، فقد بدأ «التحالف» يمهّد الأرضية له مستقبلاً، ويتحدث عن خطر الإرهاب في اليمن ليتخذ منه حصان طروادة جديد ليطيل له عمره في اليمن، على الرغم من أن هذا الإرهاب يتغذى اليوم ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام من الضرع الخليجي المُــدر. فكل الجماعات المتطرفة تقريباً تنضوي تحت لواء «التحالف» في محاربة «الحوثيين»، أو من تصفهم بـ«المجوس والروافض». إذا ما استثنينا الخطوات الأخيرة الجيدة التي تقوم بها الإمارات بعدد من مناطق الجنوب بضرب عناصر إرهابية بقوة الحزام الأمني والنخبتين الحضرمية والشبوانية.
وبالتالي، فإن كان الحديث عن إرهاب من هذا المصدر، فإنه لن يكون أكثر من فرملة لجموح هذه الجماعات التي تحارب جنباً إلى جنب مع «التحالف» حتى هذه اللحظة في الساحل الغربي، والاستغناء عن خدماتها في نهاية المطاف، ولو بشكل جزئي ولبعض الوقت بحسب الحاجة ومقتضيات الضرورة.
ولكن في تقديرنا، فإن المقصود بالإرهاب الذي ورد في تصريحات قرقاش، وفي تصريحات كثير من المسؤولين الخليجيين والإماراتيين، هو حزب «الإصلاح». فالإمارات والسعودية في خصومة متصاعدة مع الحركة الإخوانية الدولية في أكثر من رقعة في المنطقة العربية، ولن تكون الرياض وأبوظبي مستعدتان بعد كل هذه الخسائر وبعد هذه الورطة التاريخية لهما في اليمن، بتسليم ثمرة زرعهما طيلة أكثر من ثلاث سنوات عجاف لطرف هو ألدّ الأخصام لهما.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.